أوضح فشل الحكومة اللبنانية مؤخرًا في إقرار مقترح نزع سلاح حزب الله، رغم إعلانها إطارًا زمنيًا لذلك، عمق تجذّر النقاش حول وضع الحزب المسلح داخل المشهد السياسي اللبناني. تناول المشاركون في هذا النقاش، الذي أفرز سجالات حادة في البرلمان، شرعية حزب الله كحركة "مقاومة" ضد إسرائيل، وتأثير استمرار امتلاكه السلاح خارج سيطرة الدولة على السياسة والأمن والمجتمع.

وأكد الكاتب كريستيان باتريك ألكسندر أن هذه اللحظة تمثل بداية فصل جديد يتمثل في مواجهة لبنان لواقع التعددية المسلحة، إذ يدرس لأول مرة منذ نهاية الحرب الأهلية خطة منظمة للتعامل مع القوة العسكرية الموازية التي يمثلها الحزب.

وفق أتلانتيك كآونسل، يعود استمرار تسلّح حزب الله إلى اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية وأوجب حلّ الميليشيات، لكنه استثنى الحزب باعتباره حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب. دعم سوريا وإيران منح الحزب غطاء سياسيًا واستراتيجيًا، فيما أسهم ضعف الجيش اللبناني في ترسيخ هذا الاستثناء. بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، احتفظ الحزب بسلاحه ووسع ترسانته، معززًا شرعيته بانتصاراته المعلنة ضد إسرائيل، خصوصًا خلال حرب 2006 التي اعتبرها أنصاره نصرًا رمزيًا رغم الدمار الكبير.

مكّن السلاح حزب الله من حصد مكاسب سياسية واستراتيجية واجتماعية. داخليًا، امتلك قدرة الردع في مواجهة إسرائيل، واستغل ذلك لكسب نفوذ في الحكومة وفرض فيتو على قراراتها. عام 2008، استخدم الحزب القوة داخليًا للسيطرة على بيروت الغربية ردًا على إجراءات حكومية، ما عكس استعداده لتوظيف السلاح في صراعات داخلية. إقليميًا، تحول إلى قوة عابرة للحدود تدعم نظام بشار الأسد وتدرّب ميليشيات في العراق واليمن، وبنى مؤسسات موازية وشبكات خدمات اجتماعية في مناطق الأغلبية الشيعية.

شهدت شرعية الحزب تراجعًا ملحوظًا منذ أواخر العقد الأول من القرن الحالي. فقد انتقدت احتجاجات 2019–2020 دوره في حماية النظام السياسي الفاسد، بينما أثارت مشاركته في الحرب السورية وشبهات ارتباطه بالانفجار المدمر في مرفأ بيروت عام 2020 استياءً واسعًا. أظهرت استطلاعات الرأي استمرار قوته الشعبية في الأوساط الشيعية، مقابل تنامي المعارضة بين السنة والمسيحيين والدروز.

تصاعدت دعوات نزع السلاح مع الانهيار الاقتصادي الذي أغرق ملايين اللبنانيين في الفقر، ومع اشتراط دول غربية وخليجية تقديم المساعدات بتنفيذ إصلاحات، أبرزها نزع سلاح الحزب. كما أضعفت التطورات الإقليمية شبكة إمداده، خصوصًا مع تراجع قدرات النظام السوري والأزمة الاقتصادية في إيران. كشفت حرب 2024 مع إسرائيل هشاشته بعد مقتل معظم قادته العسكريين والسياسيين، وبينهم حسن نصر الله، وتدمير جزء كبير من ترسانته الصاروخية وبنيته التحتية.

أضافت الدبلوماسية الدولية ضغوطًا جديدة، إذ فرض اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية شروطًا أشد من قرار مجلس الأمن 1701، داعيًا صراحة لنزع سلاح كل الجماعات غير الحكومية جنوب نهر الليطاني. استغلت الولايات المتحدة وفرنسا وجهات دولية أخرى ضعف الحزب للضغط على الحكومة اللبنانية، مقرنة ذلك بالمطالبة بإصلاحات اقتصادية.

يمثل نزع السلاح معضلة للحزب، إذ يهدد بفقدان نفوذه التفاوضي ويعرض تماسك جناحه العسكري للخطر، مع احتمال ظهور مجموعات منشقة أو توجه المقاتلين إلى شبكات إجرامية أو متطرفة.

تطرح المرحلة المقبلة عدة سيناريوهات:

1. الدمج التفاوضي: تسليم السلاح تدريجيًا مقابل ضمانات سياسية وأمنية للطائفة الشيعية، ودمج بعض المقاتلين في الجيش وإعادة تأهيل آخرين، بدعم دولي ومشروط بالمساعدات.

2. التسلح السري: تخلي الحزب عن الحضور العسكري العلني مع الاحتفاظ بقدرات خفية للردع.

3. الجمود السياسي: استمرار الوضع الحالي نتيجة فشل التوافق، وهو السيناريو الأرجح نظرًا لتعقيدات النظام الطائفي ومصالح النخب.

4. المواجهة والانهيار: محاولة فرض النزع بالقوة، ما قد يشعل صراعًا داخليًا أو حربًا أهلية.

يرى التحليل أن نجاح دمج الحزب يتطلب بنية تحتية جاهزة وإرادة سياسية، بينما الفشل قد يقود إلى مزيد من التفكك والعنف، خصوصًا في مناطقه التقليدية. ويخلص إلى أن مصير سلاح حزب الله سيحدد مسار الدولة اللبنانية، وأن استغلال اللحظة الراهنة قد يفتح باب إعادة تعريف سيادة لبنان، في حين أن إضاعتها قد يرسخ دورة الشلل والانهيار.

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/history-and-future-of-hezbollah-disarmament/